روضه امام حسین ع برای برادرشان امام حسن ع
و وقف سيد الشهداء على حافة القبر و هو شاخص العين لم يطرف له هدب، و لم يهدأ له قلب، و أخذ يؤبّن أخاه، و يصوغ من حزنه كلمات:
«رحمك اللّه أبا محمد، إن كنت لتباصر الحق مظانه، و تؤثر اللّه عند التداحض فى مواطن التقية بحسن الروية، و تستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، و تفيض عليها يدا طاهرة الأطراف، نقية الأسرة، و تردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤنة عليك، و لا غرو فأنت ابن سلالة النبوة، و رضيع لبان الحكمة، فالى روح و ريحان، و جنة و نعيم، أعظم اللّه لنا و لكم الأجر عليه، و وهب لنا و لكم حسن الأسى عنه» .
ثم جلس على القبر و أخذ يروي أديمه بماء عينيه، و ينشد:
أ أدهن رأسي أم تطيب محاسني
و خدك معفور و أنت سليب
أ أشرب ماء المزن من غير مائه
و قد ضمن الأحشاء منك لهيب
أو أستمتع الدنيا لشيء أحبه
الى كل ما أدنى إليك حبيب
سأبكيك ما ناحت حمامة أيكة
و ما اخضر في دوح الحجاز قضيب
غريب و أكناف الحجاز تحوطه
ألا كل من تحت التراب غريب
فلا يفرح الباقي ببعد الذي مضى
فكل فتى للموت فيه نصيب
و ليس حريبا من أصيب بماله
و لكن من وارى أخاه حريب
بكائي طويل و الدموع غزيرة
و أنت بعيد و المزار قريب
نسيبك من أمسى يناجيك طيفه
و ليس لمن تحت التراب نسيب
و أقبل أخوه، الثاكل الحزين محمد بن الحنفية فوقف على حافة القبر كأنه يعاني آلام الاحتضار قد استجاب لأحاسيس نفسه الولهى، و قلبه المتصدع الذي ليس فيه فراغ لغير الأسى و الحزن و هو يصوغ من حزنه كلمات قائلا:
«رحمك اللّه يا أبا محمد، فو اللّه لئن عزت حياتك لقد هدت وفاتك و لنعم الروح روح عمّر بدنك، و نعم البدن بدن تضمنه كفنك، و لنعم الكفن كفن تضمنه لحدك، و كيف لا تكون كذلك و أنت سليل الهدى، و حليف أهل التقى، و خامس أصحاب الكساء، وجدك المصطفى، و أبوك المرتضى، و أمّك فاطمة الزهراء، و عمك جعفر الطيار في جنة المأوى، غذتك أكف الحق، و ربيت في حجر الإسلام، و أرضعتك ثدى الإيمان فطبت حيا و ميتا، و إن كانت أنفسنا غير قالية لحياتك، و لا شاكة في الخيار لك، و إنك و أخاك لسيدا شباب أهل الجنة، فعليك أبا محمد منا السلام» .
و بعد الفراغ من دفن الإمام و تأبينه أقبلت الجماهير ترفع للإمام الحسين التعازي الحارة و تواسيه بمصابه الأليم و هو (ع) واقف يشكرهم على مواساتهم و تعازيهم.
بسم الله الرحمن الرحیم
